Arabisch


JÜRGEN JANKOFSKY / يورغن يانكوفسكي

 

أَنَّــا هود

 

 

واحد

 

"غير عادل"، تصيحُ أنّــا، "هذا لؤم، لؤمٌ فظيع!"

التلفزيون يعرضُ صورةَ لاجئٍ يخرجُ من البحر وفي حضنِه طفلٌ ميت. برفقٍ، وربّما بحنان أيضاً، يضعُ الرجلُ الطفلَ على رملِ الشاطئ، ثمَّ يركعُ على ركبتيهِ ويبحلقُ في السماء. سائحونَ يرتدونَ لباسَ البحر، بينهم أطفالٌ يقتربونَ ويبحلقونَ غير مصدِّقين ما يرون.  كلاّ، هذا ليسَ فِلماً، يقولُ المذيعُ: إنّها الحقيقةُ المرّةُ التي حصلتْ قبلَ قليل.

لطمتْ أنَّــا وجهَها بيديها، وبدأتْ تهزُّ رأسَها يمنةً ويسرة. ولكنَّ صورةَ الطفلِ لم تغادرْ عينيها. كان هناك لاجئونَ آخرونَ قادمينَ في البحرِ يحاولونَ الوصولَ إلى الشاطئ، وكان قاربٌ آخرُ يغرقُ في الأفق.

لم تكنْ هذه أوَّلَ مرّةٍ ترى فيها أنّــا مثلَ تلك الصور. لكنّ صورَ اليوم أرعبتْها أكثرَ وأخرجتْها عن طبيعتِها.

قالَ مُذيعُ التلفزيون: يستطيعُ الناسُ التبرّعَ لللاّجئينَ في أيّ وقتٍ يريدون.

أسرعتْ أنَّــا إلى غرفتِها، أخذتْ حصّالتها المليئةَ بالنقود، فقد أهداها جدُّها وأهدتْها جدّتها يومَ أمس ما يكفي لرحلتِها الصيفيَّة، بعد أن تمنيّا لها "رحلةً جميلةً ومليئةً بالفرح". والآن تفكّر أنّــا كيف ستفرحُ وتستلقي مع أمّها وأبيها تحتَ شجرِ النخلِ على الشاطئ، والناسُ تموتُ غيرَ بعيدٍ عنها على نفس ذلك الشاطئ، ثمَّ يحدثُ ما عرضهُ التلفزيون قبلَ قليل! لا، لا تريدُ رؤيةَ ما حدثَ مرّة ثانية، يجبُ ألاّ يحدثَ ذلكَ مرّةً ثانية!

رفعتْ أنّــا حصّالتها الفخّاريّةَ فوقَ رأسِها، ثمّ ... طاق! رمتْها على أرضِ الغرفةِ لتنفجرَ الحصّالة وتروحَ شظايا تتوزّعُ على كاملِ مساحةِ الغرفة.

كانَ صوتُ انكسارِ الحصّالةِ قد دوّى في أنحاءِ البيت كلّها، وراحتْ قطعُ النقودِ المعدنيَّةِ تتدحرجُ هنا وهناك مثل صراصيرَ مذعورة. "ماذا يحدثُ هنا؟" صاحتِ الأمّ وجاءتْ راكضةً من المطبخ. "ما الذي تفعلينَه هنا يا أنَّــا؟"

"أريد أن أتبرّع"، قالتْ أنَّا وأشارتْ بإصبعها إلى شاشةِ التلفزيون، "ألا تساعدينني يا ماما؟"

"نعم، ولكن ..."

وتابعت أنّــا: "ما هذه البشاعة؟!"

"بشرٌ يأخذونَ حمّاماً شمسيّاً على الشاطئ، وآخرونَ يموتونَ عليه!

يجب أن يتوقّف هذا، يجب أن ينتهي!"

 

 

اِثنان

 

يضربُ روبين براحةِ يدهِ على الأوتوماتون، ماكينة التشغيل الآلية التي تبيعُ العلكة. "هراء" يشتمُ روبين. "كمْ من النقودِ عليّ إدخالُها في الآلةِ كي أحصلَ على علكتي؟ ولكن لماذا لا يخرجُ من هذه الآلةِ الحمقاء شيء؟"

كانتْ أنّــا تراقبُ روبين وهو يبحثُ في جيبِ بنطالهِ غاضباً. ثمَّ، وقبل أن يطعمَ الأوتوماتون قطعةَ نقودٍ جديدة، تصيح به أنّــا: "انتظرْ!"

كانت أنّــا قد سألت كلّ تلاميذِ صفّها، إن كانوا يرغبونَ في المساعدةِ من أجل إحلالِ عدالةٍ أكبرَ في هذا العالم من خلال المساعدة ضدَّ العوزِ والفقرِ والألم. لكنّ البعض منهم تهرّبَ متحجّجاً أنّه نسيَ محفظةَ نقوده في البيت، والبعضُ الآخر قال أنّهُ لا يملكُ الوقتَ حالياً وأنّه مشغول الآنَ في حلّ وظائفِه المدرسيةِ أوّلاً، وجزءٌ ثالث أرادَ سؤالَ أهلِه عن الأمر. أمّا الجزءُ الأخيرُ فقد زعمَ أنّه يستطيعُ المساعدةَ، ولكنْ ليسَ اليوم، ربّما غداً!

بسرعةٍ تتناولُ أنّــا علكةً من حقيبتِها المدرسيّة وترميها إلى روبين. فاجأ الأمر روبين، فبدأَ يتمعّن تلكَ القطعةَ المتطاولةَ بفضول. كانتِ العلكةُ متّسخةً بعض الشيء، لكنّه قَبِلَ بها أخيراً على مضضٍ قائلاً في نفسه: "أحسنُ من لا شيء!" ثمّ استمعَ بعدَ ذلك إلى ما ردّدته أَنّــا على مسامعِه، استمعَ إلى ما قالتْهُ عنِ الصّورِ التي لم تستطعْ تحمّلَ رؤيتَها على شاشةِ التلفزيون من شدّة فظاعتِها. وفعلاً قدّمَ روبين في النهايةِ قطعَ النقودِ التي كانتْ بحوزتِه لحظتئذٍ إلى أَنّــا، كي تُضيفَها إلى تبرّعاتِها. 

 

 

ثَلاثَة

 

تبرّعتْ أنّــا أيضاً بالنقودِ التي أهداها أبوها لها حين حصلتْ على العلامةِ التّامةِ في وظيفةِ الرياضيات الصعبة. كما طلبتْ تبرّعات من أعمامِها وأخوالِها وعمّاتِها وخالاتِها وأولادِهم، ومنَ الجيرانِ والمعلّمينَ في المدرسة، وحتّى من الغرباءِ في الشوارعِ العامّة. لقد طلبت من كلِّ الناسِ أن يتبرّعوا.

مع ذلكَ، لم تغادر ذاكرتَها الصورُ والمناظرُ المخيفةُ التي عرضَها التلفزيونُ في نشرةِ أخبارِه. بل أصبحتْ تلك الصور تزدادُ يوماً بعد يوم! فحالاتُ غرقِ الأطفالِ اللاجئين لم تتناقصْ، بل ازدادتْ بشاعتُها: كانَ يزدادُ عددُ القواربِ الغارقةِ مع طلوعِ شمسِ كلِّ يومٍ جديد، وكانت أعدادُ الموتى في تصاعدٍ.

لكنّ أعدادُ المتفرّجينَ تصاعدتْ أيضاً!

 

 

أربعة

 

سألَ روبين أَنّـــا، إن كانتْ تعلمُ، أنّ شخصاً مشهوراً جدّاً ويعرفهُ الناس في كلّ الدنيا، يحملُ نفسَ اسمِه روبين؟ شخصٌ يرتدي دائماً ثياباً خضراءَ ومن أمهرِ الناسِ في رياضة القوسِ والسهمِ، فسهامُه لا تخطئُ أهدافَها أبداً، هو رجلٌ بطلٌ و شجاعٌ وذكيّ، يقتنصُ من الأغنياءِ نقودَهم ويعطيها للفقراء ...

"روبين هود؟"

"صحيح"، أومأَ روبين برأسِه موافقاً.

 

 

خَمسَة

 

انشغلتْ أنّــا واضطربتْ أفكارُها.

لكنّها استطاعتْ أن تسألَ روبين أخيراً: "هل تقصدُ بكلامك: لو يعطي الأغنياءُ ما يكفي من الفلوسِ للفقراءِ، كي يستطيعَ هؤلاء تأمينَ حاجاتِهم من الطعام والشراب، وكي يستطيعوا الذهابَ إلى المدرسة وإيجادِ العملِ المناسبِ لهم، وكي يعيشوا في أمانٍ وسلام، لَما هربَ أحدٌ من وطنِه ولا تركَهُ؟"

"أنا لا أدري"، قالَ روبين.

"هل تقصدُ، لو حصلَ ذلك، لَما غادرَ أولئكَ الفقراءُ أوطانَهم، ولما عرّضوا أنفسَهم للخطر فوق أمواجِ البحار وفي حرّ الصحارى وبينَ صخورِ الجبالِ العالية ونزحوا  إلى بلدان غنيّة، ولما واجهوا الأسلاكَ الشائكةَ على حدود تلك البلدان؟"

"أنا لا أدري"، قال روبين ثانيةً.

ثمّ سألت أنّــا: "أين أستطيعُ تعلّم رمي السهام؟"

"لا أدري"، قال روبين.

 

 

ستَّة

 

كان روبين يراقبُ باهتمام، كيفَ يتغيّرُ مظهرُ أَنّــا الخارجي من يومٍ إلى آخر: فقد ظهرتْ في البدايةِ وقد صبغتْ إحدى خصلاتِ شعرِها باللونِ الأخضر. ثمّ رآها بعد ذلك وأظافرُ يديها ملوّنة بطلاءٍ أخضر، ثمّ ما لبثتْ أن ارتدتْ فوق كلّ ذلك كنزةً خضراءَ! بعد كلّ هذا قامت أَنّــا بارتداءِ فستانٍ أخضرَ وحذاءٍ أخضر، وفي النهاية ظهرتْ بشفتينِ خضراوين وحاجبينِ خضراوَين! جاءت أَنّــا إلى المدرسةِ تحملُ على ظهرها حقيبةً خضراءَ اللّون، كما ربطتْ حول معصمِها الأيسرِ ساعةً خضراء وحولَ معصمِها الأيمنِ إسوارةً خضراء. أمّا الخواتمُ حول أصابعِها والعقودُ حول عنقِها وعلى صدرِها فقد كانت هي الأخرى كلّها ملوَّنةً بالأخضر!

هكذا، وكلّما زادتْ أَنّــا اخضراراً، بدتْ أكثرَ تحفّظاً. كانتْ تبدو منشغلةَ الفكرِ مهمومةً. كانتْ لا تضحكُ وتبتعدُ عن دروبِ الآخرين كي لا تواجهَهم، حتّى أنّها ما عادتْ تتكلّمُ مع روبين إلاّ نادراً.

ربّما لم تلاحظْ أَنّــا في الفترةِ الأخيرةِ، كيفَ كان روبين يأتي إلى الصفِّ

وَعلى رأسهِ قبعةً خضراء، لو لم يطلبِ المدرّسونَ مراراً وتكراراً منه، نزعَ تلك القبعةِ عن رأسِه أثناءَ الدرسِ على الأقلّ!

"يليقُ بك الأخضر!" قالتْ له أَنّــا.

"ويليقُ بكِ أيضاً يا أنّــا"، ردَّ روبين.

ابتسمَ كلاهُما.

قال روبين: "كان روبين هود مرحاً دائماً وكنتِ تستطيعينَ التكلّمَ إليه دائماً، كما كان مزاجُه طيّباً طَوالَ الوقت"

"ومن أينَ لكَ أن تعرفَ ذلك؟"

"آخ، لقد قرأتُ أشياءَ كثيرةً عنه في الأنترنت وأماكنَ أخرى."

"تمام"، قالتْ أَنّــا، "وماذا قرأتَ أيضاً؟"

"لم يكنْ باستطاعةِ روبين هود وحدهُ الوصولَ إلى شيء، لا شيء إطلاقاً، لولا مساعدةِ رجالِه وأهلِ ثقته. فلولا وجودُ عصابتِه حولَه، ما استطاعَ الحصولَ على كلِّ ذلك الذهب، وما استطاعَ تحقيقَ العدالة. لم يكنْ ذلك ممكناً أبداً لولاهم!"

"همممم"، فكّرت أَنّــا، "أنتَ تعني ...؟"

"طبعاً!"، قال روبين.

"لنبدأْ إذن"، قالت أنّــا وقدّمتْ إليه خاتماً أخضر،

"أهلاً بمسيرةِ أنّــا-هود!"

 

 

سبعة

 

والآن!

بدأتْ أنّــا تبحثُ مُرتابةً في الأنترنت. قادها البحثُ إلى أنّ روبين هود وأتباعَه المخلصين كانوا يُسمّون "الخارجونَ على القانون". أمّا قانونُ هؤلاءِ "الخارجينَ على القانون" فكان: الأخذُ من الأغنياءِ من أجلِ إعطاءِ الفقراء.

ثمّ وجدتْ، أنّ روبين هود لا يأخذُ من الأغنياءِ أكثرَ من نصفِ ما كانوا يملكونَ من ذهبٍ أو نقودٍ أو مجوهرات، وذلك كي لا يصبحَ الأغنياءُ أنفسُهم فقراءَ!

وكان آخرُ ما قرأتهُ أَنّــا: قبلَ مِئاتِ السنين كانتْ تُعقَدُ مهرجاناتٌ باسم "روبين هود". وكان الناس يرقصونَ ويغنّونَ في تلك المهرجانات. بل كانوا يقرؤونَ الأشعارَ ويعرضونَ ألعاب الخفّةِ والمشاهدَ الكوميديةَ وألعابَ الحفاظِ على التوازنِ والسحرِ. وكان الأغنياءُ في نهايةِ تلك العروضِ يعطونَ النقود بسخاءٍ إلى الفقراء. كان يقامُ مهرجان روبين هود دائماً في الأوّلِ من أيّار وكانوا يطلقونَ عليه أيضاً "يوم روبين هود".

 

 

ثمانيَة

 

"جَميل جدّاً"، صاحَ روبين، "اليوم هوَ الأوّلُ من أيّار/مايو، تعالي!

"إلى أينَ تريدُ الذهاب؟"

"إلى هناك، حيثُ يذهبُ الأغنياء، وحيثُ يوجدُ الكثيرُ من النقود، إلى البنكِ طبعاً!"

ثمَّ أمسكَ أَنّــا من يدِها ليركضا معاً عبر شوارعِ المدينة.

تجمّعتْ أمامَ البنك أعدادٌ كبيرةٌ من النساءِ والرّجالِ المسنّين وهم يرفعونَ أعلاماً ولافتاتٍ حمراء. كانتِ الجموعُ تزغردُ بأصواتٍ مرتفعةٍ وتنفخُ في صفّاراتٍ حمراءَ تصمُّ الآذانَ.

في الجهةِ الأخرى وقفَ رجالٌ ونساءٌ في مقتبلِ العمر وهم يرفعونَ أعلاماً ولافتاتٍ سوداءَ. كانوا يحاولونَ بصياحهِم وهتافِهم إسكاتَ أصواتِ المزغردين وصفّاراتِهم. وكانتِ الشّرطةُ تفصلُ بين المظاهرتينِ. على خشبةٍ عاليةٍ وقفَ خطيبٌ كبيرٌ في السنِّ. كانَ الخطيبُ مضطرّاً للتوقّف عن إلقاء كلمتِه بينما تخفّ ضوضاءُ الناسِ المتجمهرين، وحين تخفّ تلك الضوضاء يتابعُ الرّجلُ خطابَه ويتحدّثُ عن سلطةِ المالِ التي تجبرُ العمّال في كلِّ بلدانِ العالم على العملِ والعيش بشروطِها وتخضعُهم لجبروتِها. كان الخطيبُ يتأتئُ وهوَ يقرأ جملاً متقطّعة من ورقةٍ صغيرةٍ في يدِه، جملٌ لم يفهمْ منها روبين وأنّــا شيئاً، ولن يفهما حتّى لو أرادا ذلك بصدقِ نيّةٍ وطيبةِ قلب.

قبل أن يستطيعَ روبين وأَنّــا الغناءَ والإنشادَ والتمثيلَ الكوميديّ وممارسةَ ألعابِ الخفّةِ ورياضةَ التوازنِ على الحبلِ أو عرضَ ألعابِ السحر، قامتْ جموعُ المتظاهرينَ بإخافتِهم وطردِهم:

لا مكانَ للّعبِ والهزارِ هنا!"

"هنا الأوّلُ من أيّار- إنّهُ يومُ العمّالِ العالميّ"

"هل فهمتُما؟"

 

 

تسعة

 

انتبهوا يا أطفال! كتبتْ أنّــا في الأنترنت: من منكم ضدَّ العدالة؟ من منكم مع قانونِ "الخارجينَ على القانون"؟ لقد قمنا بتأسيسِ "مسيرةِ أنـَّــا-هود" مَن يريدُ منكم العملَ معنا؟ من أراد فليسجّل اسمه!

 

 

عشرة

 

لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتّى استلمتْ أنّــا بريداً إلكترونيّاً من كلّ أصقاعِ الأرض.

كان أوّلُ من كتبَ إليها هو أوتّو: أنا معكُم!

بعدئذٍ وصلتْ رسائلُ من أحمد وأرمين، وآمو وسوفانّي وأكيرا معلنينَ تضامنهَم وتعاونَهم.

أمّا ماريّا فقد أرادتْ في رسالتِها الإلكترونيّةِ معرفةَ ما إذا كانتْ تستطيعُ ترجمةَ رسالةِ أَنّــا ونشرَها في لغاتٍ أخرى.

طبعاً تستطيعين!

كما أرادتْ سفيتلانا أن تعرفَ، إن كان يُسمحُ لها بإعادةِ إرسالِ رسالةِ أَنّــا إلى أطفال آخرين.

طبعاً تستطيعين!

وكان ما طلبتهُ أنديرا: هل يُسمحُ بترجمةِ الرسالةِ المترجمةِ أصلاً إلى لغاتٍ جديدةٍ وَ متابعةِ إرسالِها.

طبعاً، طبعاً، طبعاً، كلُّ ذلك ممكن!

كرةُ ثلجٍ متدحرجة: الآن يريدُ غيزو التعاونَ وَ زلاتكو وَ هيله أيضاً،       وَ باجشريه وَ مانون وَ تييس وَ أغنيتا وَ إيلول وَ سارا وَ خوسيه وَ جون    وَ جورجي وَ جيوفاني وَ لينغ وَ روي وجنكيز وَ مالايكا وَ فاينو وَ كسابي  وَ يآلا وَ هرافن هلدور وَ بينتانغ وَ أوديسيوس وَ والويو وَ نائرة وَ موفان   وَ أرنيستو وَ يانكو وَ جانيت وَ ياسمين وَ كارامبا وَ باتريك وَ ريتو وَ نانوك وَ نغونيو وَ سْفِن وَ زاخاري وَ نارومول وَ هْوا وَ غابيا وَ رادو وَ تينزين   وَ سو- يونغ.

أهلاً وسهلاً بكم جميعاً!

 

 

أحد عشر

 

"هل قرأتِ؟"، سألَ روبين، "هلْ قرأتِ تلك الآراء التي أبداها أعضاءُ مسيرتِنا حول ما يجبُ علينا فعلُه؟"

"طبعاً"، ردّتْ أنّــا، "سنرى ما الذي نقدرُ عليه!"

 لقد جرى طَرحُ الاقتراحَ التالي: يقومُ الأغنياءُ بدعوةِ كلّ التلاميذِ، الذين يأتون إلى المدرسة من غير فطور، إلى طعامِ الغداء. ويجبُ أن يتكوّنَ الغداءُ من ثلاثةِ أصنافٍ على الأقلّ: شوربة قبلَ الأكل والوجبة الأساسيّة والحلويات بعدَ الطعام.

فوراً!

أو أن يتظاهرَ التلاميذُ حتّى تُفرضَ على الأغنياءِ "ضريبة-الغنى الماديّ". ويجبُ أن تُفرضَ هذه الضريبةُ في كلِّ أنحاءِ العالم، وعلى التلاميذُ عدمَ حلِّ وظائفِهم البيتيةِ وتقديمِ المذاكراتِ والفحوصِ المدرسيّةِ أو الحضور إلى الصفِّ قبل أن يدفعَ ذوو المداخيلِ الكبيرةِ نصفَ ما يربحونَه من توظيفِ أموالِهم، حين يحصلونَ على المالِ بالمال.

 وهذهِ أيضاً، تاك، أقرَّت!

أو أن يحصلَ جميعُ الناسِ على راتب، فقط كونَهم بشراً، شباباً ومسنّين، إناثاً وذكوراً، سماناً ونحافاً، صفراً وسمراً وبيضاً وسوداً وفقراء وأغنياء، أي أن يحصلوا كلّهم على رواتب شهريّة بغضّ النظرِ عن عمرهم وَ جنسِهم وَ شكلِهم وَ لونِهم وَ وضعِهم الماديّ. يجبُ أن يُعطى الجميعُ، أينما كانوا وَ في كلّ البلدان، ما يكفيهم من المالِ لاتّقاءِ شرورِ الجوعِ والعطش، ولكي يحصلَ كلّ شخصٍ في هذا العالم حيثما حلّ وعاشَ على بيت يؤويه، وَ كلّ طفلٍ على مدرسةٍ يتعلّمُ فيها وَ كلّ باحثٍ عن عملٍ بأجرٍ عادلٍ من أجل تحقيقِ كلّ أمانيه في الحياة. نعم، أمانيه التي يحلمُ بها، كأن يعيشَ مثلاً في البلدِ الذي يريده وَ يشعرُ أنّه وطنُه. ثروةُ أرضنِا تكفي لأبنائها، تكفي كلَّ الناس عليها أينما كانوا، أليسَ كذلك؟

 

 

اثنا عشر

 

"أرجوكِ، كوني لطيفةً!"

كانت أنّــا تقفُ أمامَ مبنى البنكِ الضخمِ وهي مزدانة بكاملِ زينتها الخضراء. وكان روبين يديرُها ويحرّكها هنا وهناك، كأنّه يخرجُ فلماً سينمائيّاً. 

"خطوةً ثانيةً إلى الأمام! تماماً، اتبعيها بأخرى صوبَ الوسط، برافو! هكذا تماماً، عظيم، عظيم جداً!"

ثمّ يضعُ روبين قبعةً خضراء على رأس أنّــا، كلاك! يأخذُ صورةً، ثمّ يأخذُ صورةً ثانيةً وثالثةً ...

فور انتهائِه من التصوير أخذَ روبين أجملَ صورةٍ لأنّــا الخضراء ووضعَها في الأنترنت، وكتبَ تحتها: مع أجمل تحيّات أنّــا هود!

في البيت أضافتْ أنّــا لما كتبه روبين: قريباً الأوّل من حزيران/يونيو- قريباً يومُ الطفلِ العالميّ. بدءاً من هذهِ اللحظةِ يصبحُ اسمُ يومنا: عيد روبين هود!

سنلبسُ ثياباً خضراء، كلٌّ منّا يملكُ شيئاً أخضرَ في مكان ما: جرابات خضراء مثلاً، زناراً أخضر، قلم رصاصٍ أخضر! ولتكنْ ورقةً من شجرِ النخلِ أو عشبةً خضراء. 

سنرتدي جميعاً ثياباً خضراءَ ونذهب إلى هناك في عيدِ روبين هود، هناك حيثُ المال: هيّا إلى البنوكِ أو إلى الأغنياءِ في بيوتِهم، تماماً كما نفعلُ في "عيد الحلوة" حين ندقُّ أبوابَ البيوتِ ونطلبُ الحلوى من ساكنيها!

لن نطلبَ الحَلوى هذه المرّة ولا الحامض، كلاّ، نحن لا نريدُ أن يتصدّقَ علينا أحد، نحن نطالبُ بالعدالة!

نعم العدالة للجميع! وسوف نقومُ بتصويرِ من سيضحكُ علينا أو يخيفنا ويطردَنا، ثمّ نضع صورتَه في الأنترنت.

ليشاركْ أكبرُ عددٍ من الأطفالِ الخضرِ بعيد روبين هود القادم وليطالبوا بالعدالة، سيكونونَ كثراً هذه المرّة، وأكثرَ في المرَّةِ التي بعدها، ثمّ أكثرَ وأكثرَ في المرّاتِ التي تليها...

هو مبدأُ كرةِ الثلجِ المتدحرجة!

سألَ روبين صديقتَه أنّــا، إن كان يستطيعُ كتابةَ شيءٍ عن الموضوع!

"طبعاً، من المنطقيّ أن تكتب"

وهكذا كتبَ روبين: لا تنسوا، سنصبحُ يوماً كباراً، وسنحكمُ العالم!

بسرعةِ البرقِ تفاعلَ أطفالٌ من كلّ أصقاعِ الأرضِ مع ما كتبَهُ روبين، وكان ردُّهم: نعم، نعم، نعم- نحنُ معكم!

أرادَ بعضُ الأصدقاءِ معرفةَ أشياءَ أخرى كثيرة، بعضهُم طرَحَ هذا السؤال وآخرون ذاك. فقد سأل أحدُهم إن كان ارتداءُ النظّاراتِ الخضراء مسموحاً؟ وسأل آخر إن كانَ من الضروريّ رسمُ لافتاتٍ وسألَ ثالثٌ إن كانَ التصويرُ ممكناً أيضاً.

وكانَ الجوابُ دائماً: نعم، نعم، نعم!

أمّا في عيد روبين هود فلم تكتبْ أنّــا أكثرَ من عبارة:

لنبدأ!

 

Übersetzung: Wahid Nader / ترجمة: وحيد نادر